انطلقت، اليوم السبت، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، أشغال اجتماع اللجنة العلمية لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، يخصص لتدارس مشروع “ميثاق العلماء الأفارقة”، بمشاركة علماء وخبراء أعضاء في المؤسسة من عدة بلدان إفريقية، بالإضافة إلى وفد من العلماء المغاربة.
ويأتي هذا الاجتماع، المنظم على مدى يومين، تنفيذا للتوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في دورته العادية المنعقدة بمدينة فاس، يومي 17 و18 دجنبر 2019، والتي تمت المصادقة خلالها على إعداد وثيقة مرجعية تعتبر بمثابة “ميثاق للعلماء الأفارقة” المنضوين في إطار المؤسسة.
ويرتكز الميثاق على خمسة محاور يكمل بعضها بعضا، هي “العلم والعلماء في السياق الإفريقي”، و”حفظ الثوابت الدينية الإفريقية الكبرى”، و”القيم الإسلامية وحماية المشترك الديني”، و”حماية الأمن الروحي بإفريقيا”، و”إفريقيا: الآفاق والتطلعات”، وقوامها الأساس ترسيخ المشترك الديني عقيدة ومذهبا وسلوكا على صعيد القارة الإفريقية، من أجل حماية الأمن الروحي لشعوبها.
ويهدف اجتماع نواكشوط، وهو الأول من نوعه الذي تعقده مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خارج المغرب، إلى مناقشة ومدارسة مسودة مشروع الميثاق، من أجل إنضاج محاوره ومباحثه بالبحث الجاد والنقاش العميق، من أجل إخراجه على أحسن الوجوه وأجودها.
وقال الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، السيد سيدي محمد رفقي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية، إن “المخاطر التي تحدق بالدين الإسلامي الحنيف، تلغي الحواجز والحدود، مما يستوجب التنسيق التام بين العلماء الأفارقة من أجل الوقوف صفا واحدا لصد التيارات المنحرفة والهدامة، من خلال شرح وتبليغ تعاليم ديننا الحنيف السمحة التي تدعو إلى السلام والوحدة والوئام والوسطية بين المسلمين وغيرهم، وذلك للحفاظ على هويتنا الإفريقية المشتركة، التي لطالما دعا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، رئيس المؤسسة، إلى تعزيزها وترسيخها”.
وأوضح أن “مقتضيات التنزيل العملي لمضامين ميثاق العلماء الأفارقة داخل المجتمعات الإفريقية متعددة الأديان والأعراف واللغات، يتطلب من العلماء استحضار بعد القيم الإنسانية والقواعد المؤسسة للمنظومة الأخلاقية الفطرية السليمة والمتكاملة والتي تعرفت عليها الفطرة الإنسانية الإفريقية، من قيم ومبادئ وعادات وأخلاقيات وخصوصيات، والتي تعبر عن المشترك الحضاري والقيمي الذي يصدر عنه الإنسان الإفريقي في سعيه إلى تحسين قدراته السلوكية وتوجهاته الفكرية نحو الأفضل داخل مجتمعه أو المجموعة التي يعيش فيها”.
وأضاف السيد رفقي أنه “إذا كانت مميزات وخصائص وسمات شخصية الإنسان الإفريقي كنتاج حضاري تختلف من منطقة إلى أخرى، فإنها على العموم تتميز بمميزات وخصائص يتعين استحضارها عند صياغة مشروع ميثاق العلماء الأفارقة”.
وأشار إلى أن أبرز هذه المميزات والخصائص، تتمثل “في فطرية الانسان الإفريقي، وإدراكه للعالم، والتنوع اللغوي والثقافي الإفريقي، والأعراق والأجناس، وحصافة الإنسان الإفريقي، ومفهوم الأسرة والقيم الاجتماعية والأخلاقية ، وأخيرا مفهوم وأهمية الروح المجتمعية عند الأفارقة”.
وأكد أن “الشخصية الافريقية التي سيخاطبها ميثاق العلماء الافارقة هي في الأصل شخصية عريقة، قيمية ودينية، لها تراث ونسق شامل ترى من خلاله الكون والحياة والمجتمع”، مبرزا أن حماية الشخصية الافريقية هي في الحقيقة حماية للدين وللقوة المعنوية والروحية والنفسية، وأنه “لا أحد أقدر وأجدر من العلماء على العمل لحماية هذه الشخصية”.
كما أكد أن “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ستظل، تحت الرعاية السامية والقيادة النيرة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، وفية لمبادئها وأهدافها في سبيل حماية الدين الإسلامي والقيم الإنسانية النبيلة في بعدها الإفريقي”.
من جهته، وصف رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بموريتانيا، محمد المختار ولد أباه، مشروع الميثاق بالمشروع الرائد، والذي أعدته مؤسسة تحظى برعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
كما أشاد السيد ولد أباه، وهو أيضا رئيس جامعة شنقيط العصرية، بالجهود التي تبذلها المؤسسة، مؤكدا أن مشروع ميثاق العلماء الأفارقة يعد من أهم وثائق المؤسسة، فهو بمثابة دستور يتضمن مبادئ علمائها.
وأضاف أن مشروع الميثاق تولى إعداده علماء وخبراء أفارقة، مذكرا بأنه سبق للجنة مختصة أن ناقشته، وتقرر عرضه على لجنة موسعة بالنظر إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها.
من جانبه، قال رئيس اللجنة العلمية التي تكلفت بإعداد مشروع الميثاق، أبو بكر دوكوري، رئيس فرع المؤسسة ببوركينافاسو، إن الغرض من وضع الميثاق هو إبراز حقيقة الدين الإسلامي الحنيف.
وأكد أن هناك حاجة ماسة لوثيقة من هذا القبيل، خاصة في هذه الظروف التي يتعرض فيها المسلمون لمختلف أنواع الظلم والغبن، وتزييف لحقيقته السمحة.
وأضاف أن الفقهاء والعلماء هم الأقدر على التصدي لهذه الممارسات، واصفا مشروع ميثاق العلماء الأفارقة بأنه مشروع هام جدا، مما يحتم إيلاءه ما يستحقه من وقت وجهد.
وتجدر الإشارة إلى أن أشغال الاجتماع، التي يشارك فيها علماء من تنزانيا والسودان والسنغال ومالي وتشاد ونيجيريا وبوركينافاسو وموريتانيا، بالإضافة إلى المغرب، تتوزع على خمس ورشات علمية تتناول محاور الميثاق، فضلا عن اجتماع عام للمشاركين في الورشات لتعميق النقاش العلمي والمراجعة.
يذكر أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي تحظى بالرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس هي مؤسسة علمية، تم إنشاؤها سنة 2015، بهدف توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين، بكل من المغرب وباقي الدول الإفريقية، للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها، والقيام بمبادرات في إطار كل ما من شأنه تفعيل قيم الدين السمحة في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في إفريقيا سواء على مستوى القارة أو على صعيد كل بلد.
كما تهدف المؤسسة، التي يوجد مقرها بمدينة فاس، إلى تنشيط الحركة الفكرية والعلمية والثقافية في المجال الإسلامي، وتوطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب وباقي دول أفريقيا والعمل على تطويرها، والتشجيع على إقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية، وكذا إحياء التراث الثقافي الإفريقي الإسلامي المشترك من خلال التعريف به ونشره والعمل على حفظه وصيانته، وربط الصلات وإقامة علاقات التعاون مع الجمعيات والهيئات ذات الاهتمام المشترك.